أولاً أنه لا بد من التفصيل في هذه الشهوات، فإن منها ما هو حرام منهي عنه، ومنها ما هو جائز مأذون فيه، بل ربما كان مطلوباً مرغباً فيه، وهذا النوع الأخير يشمل الشهوات المباحة التي أذن الله تعالى فيها كتناول الطيبات من المطاعم والملابس، قال تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أحب أن تكون ثوبي حسنة ونعلي حسنة فهل ذاك من الكبر؟ فقال: إن الله جميل يحب الجمال) أخرجه مسلم في صحيحه.
ويشمل هذا النوع أيضاً المباحات التي تكون مطلوبة مرغباً فيها كالزواج، فإن في الزواج مصالح عظيمة كثيرة، فإن كان القصد منه تحصيل هذه المصالح أو بعضها، صار مستحباً فيه، كما قال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم).
والمقصود أن الشهوات منها ما هو من جنس المحرمات، ومنها ما هو من جنس المباحات المأذون فيها، المحرم، كشهوة الزنا، وشهوة النظر الحرام، والمال الحرام، فهذا النوع إنما يدفع بثلاثة أمور عظيمة هي أصول الحماية من هذه البلايا:-
فالأمر الأول هو الاستعانة بالله والتوكل عليه في الخروج من كل هذه الأمور المحرمة، فأول مرتبة تنصرف إليها عنايتك هي الاستعانة بالله في حفظ الدين وفي حفظ الدنيا أيضاً، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم صباح مساء: (اللهم إني أسالك العافية في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وأمن روعاتي، اللهم احفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي).
وأما الأمر الثاني: فهو البعد عن أسباب الوقوع في الحرام، فإن تجنب أسباب الحرام يعنيك عن الوقوع فيه، ولذلك كان من الكلام النافع في الدين والدنيا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه، ومن وقع في الشبهات يوشك أن يقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى) متفق على صحته، وهذا هو معنى العبارة العظيمة النافعة (الوقاية خير من العلاج) وهذا مقرر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله وسلم في مواضع كثيرة ليس هنا مجال بسطها.
والأمر الثالث: فهو العمل بطاعة الله تعالى، فالحرص على العمل بما تعلم من الأمور التي أمرك الله بها، يفيدك الثبات على دينه، والبصيرة في أمره ونهيه، ولذلك قال تعالى: {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتاً * وإذاً لآتيناهم من لدنا أجراً عظيماً * ولهديناهم صراطاً مستقيماً} وقال صلى الله عليه وسلم (احفظ الله يحفظك) أخرجه الترمذي في سننه.
والمقصود أن العمل بطاعة الله تعالى يورث الثبات على دينه والبصيرة في أمره، ولذلك قال تعالى في عباده المصطفين: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار} فأولي الأيدي: أصحاب القوة في طاعة الله، والأبصار أي أصحاب البصائر في دين الله تعالى، وهذه إشارات أشرنا إليها بحسب ما يحتمل مثل هذا الجواب، وإلا فإن الأمر أعظم وأوسع بكثير، والله المستعان.
وأما عن مسألة طلب الراحة مع البحث عن العمل،- أن الحياة تحتاج إلى جهد وبذل وعطاء، وأما الراحة والسكينة فليس معناها هو عدم بذل الجهد والسعي والكد، فإن هذه الأمور ملازمة لتحصيل المعاش لا تنفك عنها، وإنما معنى الراحة في ذلك، أن يسعى الإنسان في عمل مباح يليق بمثله، وتحبه وتميل إليه نفسه، فحينئذ تكون الراحة بالنجاح في هذا العمل، ولو كان ذلك مع شيء من التعب والجهد، ولذلك قال تعالى مبيناً ضرورة المشقة والجهد في تحصيل المعاش: {فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى} فنبه على أن طلب المعاش يحتاج إلى مشقة وعناء، وهذا أمر متفق عليه بين عقلاء الناس لا يختلفون فيه.
ونسأل الله تعالى لكم التوفيق والهدى والسداد والراحة في جنات عدن مع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً