في يومٍ مِنَ الأَيَّامِ ، كانَ هنَاكَ سيِّدٌ غَنِيٌّ جِدَّاً ، و كانَ لديهِ
ثلاثُ بناتٍ.
في أَحدِ الأَيَّامِ ، أرادَ معرِفَةَ مَنْ مِنْهُنَّ تُحبُّهُ أَكثر!
سألَ البنتَ الأُولى :
" كمْ تُحبِّيني يا عزيزتي؟ "
أجابَتْ:
" أُحبُّكَ قَدْرَ محبَّتي لِنفسِي. "
قال:
" هذا جيِّدٌ. "
و سألَ البِنْتَ الثَّانيةَ:
" كمْ تُحبِّيني يا عزيزتي؟ "
أجابت :
" أُحبُّك أكثرَ من أَيِّ شخصٍ آخرَ في العالمِ."
قال:
" هذا جيِّدٌ. "
و سألَ البنتَ الثَّالثةَ:
" كمْ تُحبِّيني يا عزيزتي؟ "
أجابت:
" أُحبُّكَ قدْرَ ما يُحِبُّ اللَّحمُ المطهوُّ المِلحَ."
غضِبَ الأَبُ كثيراً ، و قالَ لابنَتِهِ الثَّالثةِ: "أَنتِ لا تُحبِّيني على
الإطلاق! لذلك لنْ تعيشِيَ معي في هذا البيتِ بعدَ الآنَ، هيَّا اخرُجي من بيتِي و
لا تعودي إليهِ ثانيةً. "
و هكذا طُرِدَتِ البنتُ الْمَسْكينةُ منَ البيتِ ، و خرجتْ بعيداً ، تَمشي بين
الحقولِ ، تمشي ، و تمشي ، بين الحقول، حتَّى وصلَتْ إِلى ضفَّةِ نهرٍ جارٍ .
هناكَ جمعَتْ بعضَ القَشِّ ، و صنعَتْ مِنْهُ عَباْءَةً كبيرةً ذاتَ قُبَّعَةٍ ، و
هكذا صارَ بِإِمكانِها تغطيةَ جسمِها منَ الرَّأْسِ حتى القدمَينِ بالقَشِّ الذي
حاكَتْهُ بيديْها و غطَّتْ بِهِ ثوبَها الجميلَ ، حيثُ لا يمكنُ لأَحدٍ أَنْ يراهُ
أَبداً.
ارتدَتِ الفتاة ُ النشيطةُ العباءَةَ ذاتَ القُبَّعةِ و تابعَتْ سيرَهَا طويلاً ،
حتَّى وصلَتْ إِلى قَصرٍ كبيرٍ، تحيطُ بِهِ الحدائقُ الْخَضراءُ ذاتُ الأَزهارِ
الجميلةِ الملوَّنَةِ.
دقًّتْ على البابِ و سَأَلَتْ :
" هلْ تُريدُون خادمةً؟ هل تحتاجُون خادمةً؟"
أَجابُوا :
" لا ، لا نحتاجُ خادمةً ."
فقالَتْ متوسِّلَةً:
" ليس لديَّ أَيُّ مكانٍ آخَرَ أَذهبُ إِلَيْهِ ،دعُوني أَعيشُ معَكُمْ أرجوكم ،
أستطيعُ القيامَ بِأَيِّ عملٍ تريدونَ، و لا أُريدُ لقاءَ عملِي مالاً."
قالوا:
" حسناً ، يمكِنُكِ البقاءَ لدَينَا مقابلَ تنظِيفِ الأَواني والصحونَ."
و هكذا بقِيَتِ الفتاةُ عندَهُم تُنظِّفُ الأواني والصحونَ، و تُنَفِّذُ الأوامرَ
للقيامِ بكافَّةِ الأَعمالِ الصَّعبَةِ الَّتي يطلبونَها منها .
و لأَنَّها لم تشَأْ إِخبارَهُم من هي و ما اسمُها ، أَطلَقُوْا عليها اسمَ " ذاتُ
عَباءَةِ القَشِّ".
في أَحدِ الأَيَّامِ أُقِيمَ حفلٌ في قصرٍ آخرَ يبعَدُ قليلاً عنْهُم ، و سُمِحَ
للخدمِ جميعاً ، و معَهُم ذاتُ عَباءَةِ القَشِّ بالذَّهابِ للفُرجَةِ على
السَّيِّداتِ الغَنِيَّاتِ اللاتي يأتين بأَحلَى الفساتِينِ و أَجملِ الثِّيابِ
يتباهَيْنَ بِجمالِهِنَّ وبملابِسِهِنَّ ،و على السَّادةِ الأَغنياْءِ الذين يأتون
عادةً بكاملِ أناقَتِهم و يتحدثُوْنَ عَنْ ثَرْواتِهِم وأَعمالِهِمْ .
ادَّعَتْ ذاتُ عَباْءَةِ القَشِّ أَنَّهَا تَعِبَةٌ، و لا تستطيعُ الذَّهابَ إلى
الحفلةِ ، فبقِيَتْ في البيتِ. و بعدما ذهبَ الجميعُ و أَصبحَتْ وحيدةً ، خلعَتْ
عَباءَةَ القَشِّ ، و نظَّفَتْ نفسَهَا بشكلٍ جيَّدٍ ، ثم انطلقَتْ إِلى الحفلِةِ ،
للرَّقصِ بفُستانِها الجميلِ ، الذي كانَ أَروعَ فُستانٍ في السَّهرَةِ.
رَآهَا ابنُ سيِّدِهَا و هو شابٌ مهذبٌ و وسيمٌ ،فوقعَ في حُبِّها منذُ أَوَّلِ
لحظةٍ، ولم يرقصْ معَ فتاةٍ سواها في السَّهرةِ.
و قُبَيْلَ انتِهاْءِ الرَّقصِ بلحظاتٍ غادرَتِ المكانَ بِسُرعَةٍ ، وَ عادَتْ إِلى
القصرِ ، وعندَما وصلَ الخدمُ ادَّعَتْ أَنَّها نائمةٌ.
في الصَّباحِ التَّالي ،قالت لها الخادماتُ:
" كان عليكِ مرافقَتَنَا ليلةَ الأمسِ إلى حفلةِ الرَّقْصِ ، يا ذاتَ عَباءَةِ
القَّشِّ."
فسَأَلَتْهُم:
" لماذا توَجَّبَ عَلَيَّ الذَّهابُ معَكُم؟"
فقالُوْا:
" لماذا؟؟ لأَنَّ أَجملَ فتاةٍ في العالمِ كانَتْ هناك ، و لمْ يرفَعِ ابنُ
سيِّدِنا عَينَيْهِ عنْها ، بلْ لَمْ يُراقِصْ فتاةً سِوَاهَا. "
قالت :
" إذن يَجبُ أَنْ أَراهَا ذاتَ يومٍ! "
قالُوْا:
" سَتُقَامُ حفلةٌ راقصةٌ أُخرى اليومَ أيضاً ، وقد تَأْتي إِلَيها ، فتَعالَي معنا
لمشاهدتها ."
عندما جاءَ المساءُ ادَّعَتْ أَيضاً أَنَّها تَعِبَةٌ ولا تستطيعُ مرافَقَتَهُنَّ.
و لكنْ بعد أَنْ أَصبحَتْ لِوحدِهَا في البيتِ ، خلعَتْ عَباْءَتَها ، ونظَّفَتْ
نفسَهَا جيِّداً ، و ارتدَتْ فُستانَهَا الجميلَ ، ثُمَّ انطلقَتْ إِلى الحفلةِ
الرَّاقِصَةِ.
مرَّة أُخرى رَقَصَ معها ابنُ السَّيِّدِ و لَمْ يرفعْ عَينَيْهِ عنْهَا، و
قُبَيْلَ انْتِهاءِ الرَّقص تسلَّلتْ خارجاً ، و عادَتْ إلى القصرِ بِسُرعةٍ .
عادَت الخادماتُ و وَجَدْنَهَا نائمة!
كانت تدَّعي أَنَّها نائمةٌ بالطَّبْعِ.
في صباحِ اليومِ التَّالي ، قالت لها الخادماتُ ثانيةً:
" كانَ عليكِ مرافقَتَنَا إلى حفلةِ الرَّقصِ يا ذاتَ عَباْءَةِ القَشِّ كي
تُشاهدِي السَّيِّدةَ الجميلةَ ، لقد كانَتْ هناكَ اليومَ أيضاً، يا لها مِنْ فتاةٍ
رائعةِ الجمالِ! لذلك لَمْ يرفعِ ابنُ سيِّدِنا عينيه عنْها لحظةً واحدةً ، و لَمْ
يُراقِصْ سوَاهَا."
قالَتْ ذاتُ عَباءَةِ القَشِّ:
" كانَ عليَّ الذَّهابُ حقاً ، و لكنْ ما العمل؟"
قالتِ الخادماتُ :
" حسناً ، ستُقامُ عند هذا المساءِ حفلةٌ أُخرى أَيضاً ، وقد تحضرُها تلكَ
السَّيِّدَةُ الجميلةُ. "
عندَ المساءِ ، قالَتْ ذاتُ عَباْءَةِ القَشِّ أنَّها تَعِبَةٌ كالعادةِ ، و
بقِيَتْ في البيتِ، و عندما ذهبَ الجميعُ، خَلَعَتْ عَباْءَةَ القَشِّ ، ونظَّفَتْ
نفسَها جيِّداً ثُمَّ ارتَدَتْ فُستانَها الجميلَ، و انطلقَتْ إِلى حفلةِ الرَّقصِ.
كان ابْنُ السَّيِّدِ صاحبِ القصرِ الذي تعيشُ فيه سعيداً جِدَّاً لرُؤْيَتِهَا
،فلم يرقصْ مع فتاةٍ سِواها، و لمْ يرفعْ نظرَهُ عنْهَا لحظةً واحدةً.
سَأَلَهَا مَنْ تكونُ و م