في يومٍ منَ الأيامِ ، أُدخلَ فلاحٌ فقيرٌ إلى السِّجنِ، دونَ تُهمةٍ أو جريمةٍ،
سوى أنَّهُ لَمْ يدفعْ ضرائِبَ الحربِ لِلْملكِ.
كانَ الملكُ يُحبُ الحربَ كثيراً ، و يحتاجُ دوماً للمالِ، لشراءِ الأسلحةِ ، و
مِنْ أينَ يحصلُ على المالِ؟ طبعاً من خلالِ ضرائبَ تُفرَضُ على الشَّعب!
قالَ الفَلَّاحُ الفقيرُ لرجالِ الملكِ:
- لَمْ يَـبْـقَ لديَّ مالٌ لأدفعَهُ للملكِ ، و أَنا أعجبُ ، في الحقيقةِ، كيف
أعيشُ بفقري!
لكنَّ رجالَ الضَّرائبِ سخِروا منه ،و ساقُوهُ إلى السِّجنِ ، و هم يقولون:
- نحنُ لا نُصدِّقُكَ ، و لدينا معلوماتٌ تُفيدُ أنَّ لديك كنزاً من الذهب، لم
نعثرْ عليه حتى الآنَ بالرَّغمِ من بَحْـثِنا الدَّقيقِ في منزلِكَ، لكنَّـنا
سنجدُه في يومٍ ما. و عندما نجدُه نُخرجُكَ من السِّجنِ.
حزِنَ الفَلاحُ كثيراً ، لأنَّه دخلَ السجنَ مظلوماً ، و دونَ سببٍ وجيهٍ ، و بقيَ
يفكِّرُ بمصيبتهِ وبأرضِهِ ، و بزوجتِه التي لا تستطيعُ بمفردها حفرَ الحقولِ و
زراعتَها.
مرَّتِ الأيَّامُ ، و ذاتَ صباحٍ تلقَّى الفلاحُ رسالةً منْ زوجتِهِ ، كتبَتْ فيها:
" زوجي العزيز:
إنَّني قلِقَةٌ جداً بشأنِ الأرضِ، فقد جاءَ موعدُ زراعةِ البطاطس ، و لا أستطيعُ
حفرَ الأرضِ بِمُفردِي، ماذا أفعلُ ؟ "
فكَّرَ الفلاحُ بِحُزنٍ و هو يُتَمْتِمُ :
" ماذا تفعلُ ؟ ماذا تفعلُ ؟"
بعدَ قليلٍ منَ التَّفكيرِ جاءَتْهُ فكرةٌ عظيمةٌ ، فابتسم، و نهضَ من فراشِ
السِّجن ،و بدأَ يكتِبُ رسالةً جوابيةً لزوجته تقولُ:
" لا تحفِري الحقولَ ، أبداً ،كي لا يظهرَ الكنْـزُ ، و لا تزرعي البطاطسَ حتى
أُخبرُكِ"
ثم أعطى الرسالةَ للحارسِ ، و طلبَ منهُ إرسالَها لزوجتِه.
قرأَ حُرَّاسُ السِّجنِ رسالةَ الفلاحِ الجوابيةَ ، وكانُوا قد قرَؤُوْا من قبلُ
رسالةَ الزوجةِ، فبدَؤُوْا يفكِّرونَ ، و يتناقشون:
قال أحدُ الحرَّاسِ :
- يالَهُ من غنيٍّ ، كما اعتقدنا، لديهِ كنزٌ فعلاً.
قالَ حارسٌ آخرُ:
- لكنَّه لم يُحدِّدْ مكانَ الكَنْـزِ ، و في أيِّ حقلٍ من الحقولِ يُخفِيهِ !
قالَ حارسٌ ثالثٌ:
- لا توجدُ مشكلةٌ، سنحفرُ كلَّ الحقولِ بحثاً عن الكنزِ.
بعد أسبوعين ، تلقَّى الفلاحُ السَّجينُ رسالةً من زوجتِهِ ، تقولُ فيها:
" ماذا أكتبُ لك يا زوجيَ العزيزُ، فقد حدثَ شيءٌ مضحِكٌ، و غريبٌ ،خلال الأسبوعينِ
الماضيِيَنِ ، إذ جاءَ عددٌ من الرِّجالِ ، و معهم المعاولُ ، فحفروا جميعَ الحقول،
لقد كانوا يحفرونَ منذُ الفجرِ و حتى هبوطِ الظَّلامِ. لا بدَّ أنَّهم كانوا يبحثون
عن شيءٍ ما، هذا ما حدث بالفعلِ ، والآن ماذا أفعلُ."
ابتسمَ الفلاحُ الذكيُّ لنجاحِ خطتِهِ ، فقد تم حفرُ الحقولِ جميعها، دونَ عناءٍ أو
تعبِ منهُ ، فأخذَ ورقةَ ، و كتبَ لزوجتِهِ رسالةً قصيرةً قال فيها:
" الآنَ يُمكِنُكِ زراعةَ البطاطسِ."