كان جحر نمل يقع فى أحد أركان شقة متواضعة تقطنها أسرة رقيقة الحال0طعامهم لذيذ :
خبز0جبن0عدس0فول0طعمية0فاكهتهم ألذ : برتقال0جوافه0عنب0وما أدراك ما العنب بالنسبة
للنمل0مشروباتهم حلوة : شاى0ينسون0حلبة0سحلب0مغات0منذ أيام رزقت الأسرة بمولود
جديد0فاستمتع النمل بأكل بقايا مشروبات الحفل0من فرط البذخ انفردت كل نملة بحبة
سمسم خاصة بها0ورغم أن النمل لم ينم ليلتها من دق الهون لجعل الوليد يسمع كلام أمه
ولا يسمع كلام أبوه0ومن صراخ "عدويه" فى الكاسيت : السح الدح أمبوه إدى الواد
لأبوه0الا أن حصيلة تلك الليلة من الغذاء كانت تكفيه لعدة سنوات 0
صعدت نملة قررت الانتحار احتجاجا علي أوضاع لا ترضاها الى سطح برج سكنى شاهق مواجه
للمبنى الذى توجد به الشقة المتواضعة0حجب عنه الشمس والهواء منذ ارتفع كمارد مع
بداية عهد الانفتاح لتلقى بنفسها من فوقه0أثناء صعودها دفعها حب الاستطلاع الى
التسلل الى الشقة الأخيرة من المبنى 0
الشقة يقطنها أناس من علية القوم0فراشها وثير0هواؤها مكيف0مليئة بالأجهزة
الكهربائية0تغطى جدرانها مجموعات من لوحات كبار الفنانين0بعضها كان فى رأيها مجرد
شخبطه0قررت النملة البقاء في هذه الشقة لعدة ساعات قبل تنفيذ عملية الإنتحار 0
ـ ألا يسألون المقبل على تنفيذ حكم الإعدام : نفسك في إيه قبل ما تموت؟؟ خلاص نفسى
أسكن فى الشقة البرحة دى شويه0قالت النملة لنفسها بعد أن قررت تأجيل عملية آنتحارها
0
سكان الشقة البرحة طعامهم غريب0لم تألفه عندما كانت فى الشقة الأخرى : كبد
أوز0كافيار0دجاج بانيه0لحم طاووس0شاورمة لحم غزلان0مشروباتهم أغرب0يتناولون معها
حبوبا يقال لها مزة0أغلبها من الفستق واللوز وعين الجمل والكاجو0تختلف عن السودانى
واللب والخروب اللذيذ والترمس التى يتسلي بها سكان الشقة الأخرى عندما يسهرون حول
جهاز التلفزيون0سال لعاب النملة عندما تذكرت قطعة الخروب المسكرة التى التهمتها عن
آخرها فى آخر سهرات الأسرة المتواضعة .
ـ لابد أن كل أفراد أسرة الشقة البرحة يعملون ليل نهار وإلا ما كانوا قد اقتنوا مثل
هذا الأثاث الفخم وهذه الأجهزة التى لم أر لها مثيلا فى كل الشقق التى تجولت داخلها
من قبل0حدثت النملة نفسها0تنفست الصعداء0أخيرا وجدت من يكد ويكدح ـ مثلها ـ للحصول
على قوت يومه0فكرت فى تأجيل إلغاء عملية الإنتحار 0
بعد عشاء كل يوم يتبدل الحال داخل الشقة البرحة0يذهب الطعام0تبقى المشاريب والمزة
وأكوام الحلوى المستوردة0و0ورق اللعب0تسهر النملة فتسمع عبارات لا تفهم معناها0
كانت النملة تسعد اذا ما وجدت بقايا حبة لب0أما الآن فهي تعوم فى بحار اللوز
والفستق0زاد وزنها فثقلت حركتها0نسيت تماما فكرة الانتحار0غير أنها أدركت من تغير
وجوه سكان الشقة كل ليلة0وحركاتهم المريبة0وملابسهم الغريبة0ومكالماتهم التليفونية
العابثة الباعثة على الشك أن فى الأمر شيئا غير نظيف 0
بعد ليلة لم ينطفئ خلالها الضوء الأحمر داخل حجرات الشقة البرحة حتى نهار اليوم
التالي عرفت النملة كل شئ فحملت كل ما جمعته من فستق وكاجو0وما جففته من لحوم غزلان
وطاووس وألقته فى بالوعة حمام الشقة0ترامى الى سمعها صوت الراحل توفيق الدقن ينبعث
من جهاز تلفزيزن وهو يقول : يآآآآه ياآآآه أحلى من الشرف ما فيش0أفرغت ما فى جوفها
من طعام الأمس0تذكرت طعام الشقة الأخرى0سال لعابها عندما طاف بخاطرها طعم المغات
والخروب0تسلقت الحائط0وقفت على حافة النافذة0ألقت نظرة احترام وتحية وداع على الشقة
المتواضعة0انفرجت أساريرها عندما رأت الوليد وقد بدأ يحبو0أغمضت عينيها بشدة عدة
مرات لتزيل عنهما ما رأته ليلة البارحة فى الشقة البرحة و00نفذت عملية الإنتحار0
ارتفع فجأة تيار هوائي ساخن خفف من سرعة سقوطها0حملتها إحدى دواماته0دارت بها عدة
دورات0غابت النملة عن وعيها0أفاقت بعد قليل لتجد نفسها جالسة فى أمان بين فتات
السحلب والمغات بجوار قطعة من الخروب المسكر غير بعيد عن الوليد الذى بدأ يحبو داخل
الشقة المتواضعة