منذ عدة سنوات كنت قد وصلت إلى سالامانكا مساءً ، و كان عليَّ أن أبدل قطاري بآخر
للنوم .
كان الازدحام شديداً في محطة القطارات، فالجميع ينتظرون قطار النوم .
سألت شاباً يعمل في مكتب قطع التذاكر إن كان باستطاعتي الحصول على تذكرتين، فأجاب :
" لا " و أغلق زجاج الكوة بوجهي.
صادفت مراقب قطارات بعد قليل ، و سألته إن كان باستطاعته تأمين زاوية ما في عربة
منامة ما في قطار النوم، لكنه نظر بتهكم ، و قال :
" لا ..لا يوجد أي مكان صغير ، فكل الزوايا مشغولة، فلا تزعجني!.." ثم استدار و
تابع سيره في اتجاه معاكس.
شعرت بالإهانة ، فقلت لمرافقي :
" إنهم يتكلمون معي بهذه الطريقة لأنهم لا يعرفون من أنا... لو عرفوا من أنا لـ....
"
لكن صديقي قاطعني قائلاً:
لا تتفوه بتفاهات..هل تعتقد أنهم لو عرفوك حقاً لأعطوك مكاناً مريحاً في قطار لا
يوجد فيه أي مكان شاغر؟.. إن هذا كثير! "
بعد قليل عاد مراقب القطارات فقلت له بصوت لطيف أن اسمي مارك توين ، لكنه حدق بي
شزراً و قال:
" قلت لك ألاَّ تزعجني أكثر ، ألا تفهم! "
و تابع سيره دون اكتراث!
نظرت يميناً و يساراً بيأس و قنوط ، و فجأة لاحظت ذلك الشاب من مكتب قطع التذاكر ،
ينظر تجاهنا و يهمس بإذن مراقب قطارات آخر ، و يشير بسبابته نحوي، فأتى المراقب ،
سألني بصوت فيه احترام كبير:
" هل أستطيع تقديم أية خدمة لكم يا سيدي؟ هل تريدون مكاناً في قطار النوم؟"
قلت:
" نعم ، بالتأكيد! "
قال بكل تهذيب:
" في الحقيقة لم يبق لدينا إلا مقصورة واحدة شاغرة في عربة العائلات"
ثم أشار لشاب يتبعه و قال له:
" خذ هذه الحقائب إلى مقصورة العائلات الفخمة ! "
و نقر قبعته احتراماً لنا و مشى معنا حتى المقصورة ، التي بدت في غاية الترتيب و
الراحة ، و سأل:
" هل تحتاجون لشيء آخر! أي شيء؟.. لأنكم تستطيعون الحصول على ما تريدون أو ترغبون!"
قلت:
" هذا المصباح عال جداً، هل من الممكن إحضار مصباح آخر قريب المنال ، كي أستطيع
القراءة براحة أكبر!"
أجاب بسرعة:
" نعم بالطبع يا سيدي، سأحضر مصباحاً من المقصورة المجاورة ، وأثبته قرب السرير،
نعم يا سيدي ، اطلب ما يحلو لك!"
قال ذلك و اختفى، هنا ابتسمت لصديقي و قلت بتحدٍ:
" حسناً و ماذا تقول الآن؟! ألم تلاحظ فرق المعاملة بعد أن عرفوا أن اسمي مارك توين؟"
عندما كنت أحدث صديقي هذه الكلمات أطل الشاب بائع التذاكر و هو يبتسم ملقياً الخطاب
التالي:
" لقد عرفتكم يا سيدي في اللحظة التي رأيتكم بها أول مرة، فأخبرت مراقب القطار بذلك
فوراً "
فقلت له و أنا أربت على كتفه:
" و من أنا؟!"
قال بفخر و صوت جهوري :
" إنكم يا سيدي محافظ نيويورك ، السيد ماك كيلان."
ثم اختفى .