كنت يوماً واقفة أمام المرآة ، سرحتُ شعري وهذبته كما هي عادة كل بنت في مثل سني
– إلا أنني والحمد لله لا أبالغ كثيراً في ذلك – وكان كل فرد من أفراد أسرتي
مُنشغلاً بنفسه وأنا الأخرى كذلك ، حيث سيأتي ضيوف إلينا بعد صلاة الجمعة ، ويا
له من موعد ، لقد كان موعداً من نوع آخر لم أكن قد تهيئت له .. وقبل أن أضع قدمي
على عتبة المطبخ ذهبت إلى المرآة ووقفت أمامها لحظات لأتأكد من تصفيف شعري ،
ولكن ليس للضيوف وإنما لشيء آخر لم أكن أعلمه ..
دخلتُ إلى المطبخ لإعداد وجبة الغداء وحينها لم يكن فيه أحد غيري ، أمسكت بيدي
اليمنى الزناد وبيدي اليسرى باب الفرن لأفتحه وضغطت على الزند وإذا بالنار تخرج
من داخل الفرن وكأنها عدوٌ يتربص بي والنار تلفح وجهي ويدي وشعري الذي اعتنيت به
قبل قليل وما أن أحسست بحرارة اللهب حتى خرجت من المطبخ مسرعة وأنا أصرخ مستنجدة
بكلام لا أدري ما هو !!
وإذا بأختي تأخذني إليها وفي تلك الساعة نسيت كل شيء وتذكرت النار يوم تلفح
الوجوه ، نسيت المرآة ونسيت شعري ونسيت كل شيء ، أما أمي والتي كانت تصلي حينها
فما كادت تسمع صراخي وبكائي حتى قطعت صلاتها وخرجت وهي لا تدري ماذا حصل ؟
وعندها رأيتها دفنت نفسي في صدرها وأحسست ببالغ حنانها إلا أنها دفعتني قليلاً
حتى لا تؤلمني بقايا الحروق والتي رسمت في وجهي درساً لي ولأهلي عن اليوم الآخر
وراحت أمي تبكي بكاءً قطع نياط قلبي وفي ظنها أن عقلي قد ذهب من شدة المصيبة ،
وكل من حولي قد تأثر من هذا الموقف الرهيب ، لقد كان درساً كما ذكرت ، عندها
ذهبت أخاطب نفسي .. يا نفس كيف هي إذن نار الآخرة ، كيف هي وأنت لم تتحملي هذا
اللهب ، يا نفس .. يا نفس ..
وبقيت في وجهي أثر الذكرى أراجعها على المرآة ويحفظها أهلي عن ظهر الغيب وشاء
الله أن أذهب في ذلك اليوم إلى مكتبة المنزل فتقع يدي على كتاب عن النار وما
فيها من الأهوال وأنها سوداء مظلمة يركب بعضها بعضاً وأنها تكاد تميز من الغيظ
وأن لها زفيراً وشهيقاً تكاد تنخلع لهما أجسر القلوب وفيها مقامع من حديد وملابس
من النار من القطران ، وشراب من حميم وشجرة الزقوم التي طلعها كأنه رؤوس
الشياطين ..
وتذكرت ما ينبغي عليَّ أن أفعله للنجاة من النار .. إنني لم أتحمل هذه النار
للحظات في الدنيا وهي جزء من سبعين جزء من نار الآخرة .. فكيف سيكون حالي إذا
رُميت في نار الآخرة ؟
أختاه : أنت دائماً قريبة من النار فها أنت ترين نار الدنيا في المطيخ صباحاً
ومساء ، فهل وعظك هذا لتكوني أشد الناس خوفاً من نار الآخرة