كان الشاب في العشرينيات من عمره هذا مما يوضح لنا أنه في عنفوان شبابه
ووالدته لاتملك سواه .. ووالده متوفى ..
كان كثيرااا مايصرخ في وجه أمه ويعتبرها مجرد شيء ثانوي في حياته لايعبأ بها أبداا ولا يهتم
رغم أنها تضع جل عنايتها في ابنها الوحـــيد وتحاول أن تسعده وترضيه بشتى الطرق والوسائل
ولـــــكن لايزيد ذلك الشاب سوى عقوقا ... كان يخرج مع أصدقاءه طوال الوقت ويسهر معهم ولايعطي أمه إلا الوقت القليل وهو الوقت الذي يشتكي فيه من حياته ووضعه ووالدته أيضاا ..رغم ذلك كانت تستمع إليه دون اعتراض بل تحاول أن ترضيه .. وتفرحه .. ( ولكن لايهتم )
ذات ليلة انقطع الكهرباء عن المنزل .. فبدأ يصرخ على والدته ( هذا وقت انقطاع الكهربااء أريد النوم )
قررت والدته أن تحضر ورقا مقوى ( كرتون ) وتبدأ بالتبريد عليه أثناء نومه ولكن لم يشعر بالهواء البارد الذي يريده فهو يريد هوااء بارد كالهواء الذي ينبعث من جهاز التكييف ..
فصرخ ناهرا ( أوووف ماهذا الهواء .. شكرا .. شكرا .. أبعدي يديك فقط ) وأبعد يديها بكل قوة وجفاء
وغادر إلى الغرفة الأخرى( وهي غرفة قديييمة يخزنون فيها الأشياء القديمة التي لايحتاجون إليها ) وبحث وبحث .. حتى أخيرا وجد ( مروحة تهوية ) دون كهرباء فقام بتشغيلها ونام في ذات الغرفة على الأرض
ومضى الليل وقبيل الفجر عاد الكهرباء للعمل فاستيقظ الشاب على صوت هالهاتف .. وعندما استدار وجد والدته فنهرهااا بصوت عاااالي ( ألا تفهمين كيف دخلتي إلى هنا ؟؟؟ اذهبي الآن ... أووووف في كل مكان لا أحصل على حرية )
ولكن والدته لم تجبه بل تنظر في وجهه بابتســـــــامة واســــــعة وتهز رأسها كأنها تقول ( أنت ولدي .. سامحني ولكن تحمل حب والدتك ) ذهب الشاب وغادر مع الصباح ..
وعندما عاد في الظهيرة لم يجد والدته .. فأخبره جارهم أنها سقطت فجأة مغشى عليها أثناء ماكانت تقرع جرس دارهم فذهب بها إلى المشفى مع زوجته ... وأخبره عن مكان المشفى ..
فذهب الابن إلى هناك ليرى مالذي حصل لها ..
فوجد الطبيب ليقول له ( والدتك تعرضت لتسمم في ساقيها ونخشى أن تنتشر في أجزاء جسدها وهو تسمم خطير لذلك لابد من بترها )
فوجئ الابن بهذا الخبر ..
فوالدته لم تشتك يوماا من ساقيها ياللغرابة
وبعد ذلك تمت العملية وبترت ساقيها .. وابنها لم يزرها .. فاتصل به الطبيب وطلب منه أن يأتي لأخذ والدتها فالعملية انتهت بنجاح .. جاء الشاب إلى المشفى ليأخذ والدته .. فوجدها على كرسي متحرك تنتظره بكل شوق
جاء إليها وقال بكل برود ( السلام عليكم .. كيف الحال ..؟؟ ) هنا ابتسمت والدته وكادت أن تطير من الفرح وردت عليه ( وعليكم السلام .. أنا بخير .. كيف حالك أنت ..؟؟ آسفة ياولدي لم أستطع مغادرة المشفى .. أنا أعرف أنك اضطررت لتناول الطعام من المطعم .. و..) قاطعها ( أوفففف لاتتحدثي بكثرة .. أنت تشعرينني بالضجر هل أنا مضطر لسماع كل ماتقوليه ) صمتت والدتها وابتسمت رغم الألم الذي تشعر به ..
وأثناء سيره رأى مجموعة من الشباب يسيرون بالقرب منهم .. فقال فجأة ( يا إلهــي إنهم زملائي وبعض الأصدقاء ) نظرت إليه والدته وابتسمت ثم قالت ( وماذا في ذلك ؟؟؟ يمكنك الذهاب وإلقاء التحية عليهم .. لابأس يمكنني انتظارك ) قال وهو ينظر لها بعين حادة ( نعم ؟؟ لا أنا لاأريدهم أن يشاهدوني وأنا معك يالا السخرية هل تريدينهم رؤيتي وأنا أسير بهذا الكرسي المتحرك ..!! ماذا لو علموا أنك والدتي ؟؟ إنه موقف محرج فعلا ) وأشار لأحد عمال النظافة في المشفى فجاءه العامل مباشرة .. قام هذا الشاب بإخراج بعض النقود مقابل أن يأخذ والدته ويضعها عند بوابة المشفى في الخارج بجوار القمامة ريثما ينتهي من الحديث مع أصحابه والسلام عليهم .. أخذها العامل .. وقام بما طلبه به الشاب .. فجلست والدته على كرسيها المتحرك بانتظار ابنها .. الذي جاء بعد 10 دقائق ثم أخذها وقال وهو يضعها في السيارة ( ياللهول !! هل سأقوم بذلك كل مرة .. أنت مزعجة حقاا .. ماكان عليك أن تمرضي .. أو على الأقل لو كنت تملكين بضعاا من النقود لاستطعت إحضار خادمة تهتم بأمورك .. أوفففف .. حقا لا أملك حرية .. حقا أصبحت إنسان تعيس ..) قال كل هذا ووالدتها تبتسم وهي تنظر إليه تارة وتخفض رأسها تارة أخرى رغم تحدر بعض الدمووع الساخنة من عينيها المتألمتين ...
عادوا إلى المنزل وابنها لم تتغير عاداته يسهر مع أصدقاءه ولايسأل عنها ..
وبعد خمسة أيام من خروجها من المشفى كان الشاب جالسا مع أحد أصدقاءه ففوجئ باتصال طبيب والدته ..
فأجابه .. قال له الطبيب ( بسرعة تعال والدتك في حالة خطرة وقد أحضرها أحد جيرانكم )
قفز الشاب ليرى ولسان حاله يقول ( ماذا يحصل هذه المرة أيضا ؟؟!! )
ولـــــكـــــــــــــن ..
عندما وصل كان الأوان قد فات ماتت والدته وهي تصارع الألم ..
سأل الطبيب ( كيف ماتت فجأة ؟؟ )
نظر إليه الطبيب وقال ( ألست ابنها ؟؟ من الذي يعتني بوالدتك ؟؟ كيف تركتها من دون عناية لماذا لم تتبع إرشاداتنا ؟؟ ولماذا تركتها من دون أدوية ؟؟)
صمت الشاب ولم يعرف ماذا يقول .. ثم سأل فجأة ( هل ماتت بسبب ذلك ؟؟ )
قال الطبيب ( لم أتوقع لها حياة طويلة .. ولكن ليس بهذه السرعة ..!! فالسم الذي انتشر في ساقيها خطير .. كما أن اللسعات التي تعرضت لها أليمة جدا .. وقاتلة في بعض الأحيان .. ولكن عندما تعتني بها جيدا .. ستعيش على الأقل ثمانية أشهر ..)
نظر إليه الشـــاب وأطبق على شفتيه صامتا ..
ثم استدرك الشاب فجأة وقال ( كيف أصابها التسمم ) ..؟؟
نظر له الطبيب بذهول وقال ( ألا تعلم حقا .. ألست ابنها ؟؟)
قال الشاب ( بلى .. ولكن أخبرني بسرعة أرجوك )
شعر الطبيب بأن الشاب فعلا متوتر
فقال ( آآ في الحقيقة .. نعم تذكرت كانت تقول رحمها الله أنه في ذات ليلة تعطلت الكهرباء وانطفأت فاضطرت أن تبقى مع أحد الأشخاص في غرفة سمتها بغرفة التخزين وقالت أنه أثناء ذلك ظهرت بعض العقارب لأن الغرفة كانت قديمة .. وكانت هي تقوم بتبريد الشخص الجالس بجوارها .. ولكن العقارب تقترب منه فاضطرت لوضع قدميها فوق قدميه لتصيبها اللسعات ويسلم ذلك الشخص .. وبذلك كانت العقارب مسمومة فانتقل لها السم ولم نعرف ماهو علاجها لأننا لم نعرف نوع العقارب بالضبط رغم أننا بحثنا في منزلكم ولكننا لم نجد شيئا .. لا تسألني عن ذلك الشخص .. فقد رفضت أن تخبرنا بحجة أنه شخص مــهم وتخشى أن نعامله عندما يأتي لزيارتها معاملة جافة ... ومن الطريف أنه لم يزرها أحد طوال تلك المدة .. إنها حقا مسكينة )
وبينما كان الطبيب يتحدث وأثناء كل تلك الفترة كان الشاب يفجع بكل جملة يقولها هذا الطبيب ..
لأنه يعرف بالتأكيد أنه هو الشخص المهم بالنسبة لوالدته وتذكر أنه وجدها بجواره عندما استيقظ ولم تتحرك حتى عندما نهرها كان ذلك بسبب اللسعات بالتأكــيد ..
صرخ الشااب صرخة عــــــــــــاااااالـــــــية وبدأ بالهذيان والصراخ ووضع يديه على رأسه والدمووع تسيل من عينيه كأنها أنهــــــار
ويصرخ ( أفقدتها قدميها ونهرتها على ذلك ... وأهملتها ... أنا ســبب موتها ..)
ولم يزل يكرر تلك العبارات حتى قام الممرضون والأطباء بحقنه حقنة لتنويمه ..
وعندما استيقظ بكى كثييييييرا وبكى ..
ومرت الأيام وذهب هذا الشاب إلى العيادات النفسية ليعالج نفسه .. وأخيراا تعالج
وبالتأكيد شعوره بالذنب لم يختف ..
وفي يوم من الأيام قام الشاب بفتح خزانة لوالدته وجدها في غرفة التخزين فوجد فيها ورقة واحدة كتب فيها
( ابني العزيز بالتأكيد سوف تعرف في يوم من الأيام ماسبب إصابتي .. ولكن لاأريدك أن تضجر ولا تتألم
لقد كنت سعيدة جدا لأني حميتك ولم تمت .. سعيدة جدا لأنني أعطيتك حياتي وحميتك تلك الليلة ... سعيدة جداا وأشعر بأنني ولدتك من جديد .. وصدقني ماكنت تفعله لي في تلك الأيام فأنا أسامحك عليه .. لأنك ابني الشاب الذي يحمل عينان كعيني وشفتان كشفتي والدك .. ولأنك ابني المحبوب .. أريدك فقط أن تحافظ على عمرك الجديد وتعيش بسعادة وهناء وتهتم بنفسك وتبني نفسك وتحدد مستقبلك فأنت في حياة جديدة أمنية أخيرة .. أريد منك أن تتزوج فتاة صالحة وتنجب الأبناء وإن أنجبت فتاة سمها باسمي ونادها بأزهاري سأكون سعيدة جدا لو أنني معك .. في النهــــاية .. أحبك .. أحبك .. أحبك ..وإلى الأبد ... والدتك ) .
هناا بكى الشاب .. إلى الصباح ونحيبه لم يتوقف وبكى كثيراا وسالت دموع لم يتوقع في يوم من الأيام أنه يستطيع البكاء لهذا الحد بل خشي أن تنتهي الدموع من عينيه .
مرت الأيام واستمرت وكبر الشاب وأصبح طبيبا معروفا في البلاد ..
وجاء خبر في الصحيفة .. يعلن عن وفاة الطبيب الشاب في غرفته ودموعه تنساب من عينيه وفي أحضانه ابنته الكبرى والتي يقال أن اسمها كاسم جدتها المتوفاة وعمرابنته عشر أعوام وقد كان ينادي باسمها تارة وبأزهاري تارة أخرى ..
--- تمت ---